ترويقة: ماتت أمي !!
لست
أول من ماتت أمه ولن أكون الأخير..
لست
أول من أصبح عاريا مكشوفا برحيل أمه..
لست
أول من فقد ابتسامة أمه وبريق عينيها ووهج حبها ودفء مشاعرها..
لست
أول من لا يزال يسشعر وجود أمه في كل لحظة..
أدخل
إلى المنزل وأتوقع جلوسها في مكانها المعتاد..
أمر
بجوار الصيدلية فأسأل نفسي ماهي الأدوية الناقصة ؟
أغيب
عن المنزل في مشوار فأشعر بالقلق لأنني تأخرت عنها ثم أتذكر أنها لم تعد موجودة..
أتخيل
أنها لا زالت في مكانها نائمة أو جالسة أو تنادي أحدا أو تشاهد التلفزيون أو تأكل..
لا زلت
أنسى أنها رحلت
!!
رحلت
ولم يعد بإمكاني أن أقبل رأسها ولا يدها ولا رجلها..
رحلت
ولم يعد بإمكاني أن أضمها أو أداعبها أو أتحدث إليها..
رحلت
من كانت ترضى عنّي فترفعني حتى تجعلني ملاكا نازلا من السماء..
رحلت
من كانت تغضب مني أحيانا فتخسف بي إلى سابع أرض..
حين
ترضى تضحك ويتهلل وجهها وتشرق أساريرها ولا تكاد الدنيا تسع سعادتها ورضاها..
حين
تغضب تظلم الدنيا حتى لا يكاد يضيء فيها نور..ولكن بكلمة واحدة تعود فترضى.. بمداعبة
بسيطة ترتسم البسمة على محياها.. بحركة تهريج أو مزاح تضحك من قلبها فأعود أمامها ملاكا
طاهرا..
رحلت
أمي حصن بيتي الحصين وصمام الأمان فيه وجداره العالي المنيع..
كان
وجودها حماية بعد الله ومانعا باذن الله..
رحلت
البركة التي لا توجد إلا بين يدي الأم وعند أقدامها المباركة..
رحلت
أمي التي كانت حين يحزبني أمر أقترب منها وأقول لها ادعي لي فترفع يديها وينطلق لسانها
بدعوات صادقة حارة فينهمر بعدها النور والسلام والطمأنينة..
فيض
من المشاعر والكلمات والدعوات والبركات لو وزعت على أهل جدة لكفتهم..
رحلت
أمي الكريمة السخية المعطاءة..
رحلت
أمي ذات القلب الكبير والخلق الكريم..
رحلت
أمي التي يتحدث عن طيبتها وسماحتها وحسن عشرتها كل من عرفها واختلط بها وعاش معها..
رحلت
أمي ولسانها لا يفتر عن ذكر الله وقلبها لا يغيب عنه حسن الرجاء فيه..
ماتت
أمي..
ماتت
أمي التي كانت تودعني كل صباح بكلمة..
الله
يوجه لك ويحفظك وييسر أمرك
ماتت
من كانت تودع أولادي بدعواتها وتوصياتها..
ماتت
من كانت تنتظر عودتي وأولادي كل ظهر فترحب وترفع صوتها بالترحيب والبشر والفرح ..
ماتت
واسطة أولادي عندي ومكسرة قراراتي أمامهم..
ماتت
ورحلت وغابت بجسدها ولكنها لم تغب بروحها وأنفاسها وصوتها وعيونها وكل شيء فيها..
ماتت
أمي فهل ماتت أمك ؟
هل لا
زالت أمك تتنفس؟ هل لا زلت تستطيع تقبيلها وضمها وتشعر بحرارة جسدها ؟
إياك
أن تفوتك أو تغفل عنها أو تسرقك منها دنياك..
توجه
إليها الآن وكل آن.. أدن منها شم رأسها وقبل يديها والثم رجليها وأطلق كل عضلة في وجهك
بالبشر والحب والسرور أمامها..
إن كنت
بعيدا فاتصل بها وحدثها عن شوقك وحبك وهيامك بها..
قل لها
أنت من رباني وعلمني وكبرني وباركني وتفضل علي بعد الله..
قل لها
أنت أعظم أم في الدنيا..أنا فخور بك جدا جدا جدا..
كلمة
لا بد منها:
شكرا
زوجتي الغالية على السنوات التي قضتها أمي معنا فكنت دائمة التذكير لي ببرها وتلمس
حاجاتها وعدم التواني لحظة في ذلك..
شكرا
على وقفاتك المستمرة والراقية وخاصة في مرضها الأخير وبعد وفاتها رحمها الله..
إبراهيم
الحارثي